تلخيص الكتاب:
الباب الاول : الحاضر والتاريخ .
1 – دور الأبطال.
لقد كان دور الشعوب الإسلامية أمام الزحف الاستعماري خلال القرن الماضي وبداية الاستعمار وتغلغله داخل البلاد.
فمشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته، والحضارات الانسانية المتعاقبة منذ فجر التاريخ وإلى نهاية الزمن إنما هي حلقات لسلسلة واحدة منها، وهكذا الشعوب دورها وكلك واحد منها يبعث ليكون حلقته في سلسلة الحضارات، فيما تدق ساعة البعث معلنة قيام حضارة ومؤذنة بزوال أخرى .
وقد جاء الاستعمار وقد مضى على أفول الحضارة الإسلامية زمن بعيد وقضت في ليلها وقتا ليس بالقصير ، ومن عادة التاريخ ألا يلتفت إلى الأمم التي تغط في نومها، وإنما يتركها ﻷحلامها التي تطربها حينا وتزعجها حينا آخر، تطربها إذ ترى في منامها أبطالها الخالدين وقد أدوا رسالتهم وتزعجها حينما تدخل صاغرة في سلطة جبار عنيد.
2- دور الوثنية.
إذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية، فإن الجهل في حقيقته وثنية ﻷنه لا يغرس أفكارا بل بل ينصب أصناما فلم يكن من باب الصدفة المحضة أن تكون الشعوب البدائية وثنية سادجة.
ومن سنن الله في خلقه أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم والعكس صحيح أحيانا ، فجوهر المسألة هو المشكلة العقلية ونحن لا زلنا نسير على رؤوسنا وأرجلنا في الهواء وهو القلب للأوضاع وهو المظهر الجديد لمشكلة نهضتنا.
الباب الثاني : المستقبل .
3- من التكديس إلى البناء.
لقد ضل العالم الإسلامي خارج التاريخ دهرا طويلا كأن لم يكن له هدف واستسلم المريض للمرض ، لكن قبيل ميلاد هذا القرن سمع صوتا أيقظه فعرف صحوة خافتة أطلق عليها النهضة ، لكن هذا الصوت – صوت الإصلاح – لم يكن يتحدث عن المرض بل كان يتحدث عن أعراضه خاصة وأن الأمراض والعلل متعددة .
وفي هذه الحالة ليس هناك من علاج إلا إحدى طريقتين إما القضاء على المرض أو إعدام المريض.
ولك أن تتأمل حين يدخل المرض إلى الصيدلية دون أن يدرك مرضه على وجه التحديد ، وهذا شأن العالم الإسلامي إنه دخل صيدلية الحضارة الغربية طالبا الشفاء لكن من أي مرض ؟ وبأي دواء ؟
فالعالم الإسلامي يتعاطى هنا حبة ضد الجهل ، ويأخذ هنا قرصا ضد الاستعمار وفي مكان قصي يتناول عقارا كي يشفى من الفقر دون أن نلمح شبح البرء أي أننا لن نجد حضارة .
إن المقياس العام في عملية الحضارة هو ان الحضارة هي التي تلد منتجاتها وليس وليس من الواجب لكي ننشئ حضارة أن نشتري كل منتجات الأخرى فإن هذا يعكس القضية التي سبق أن قررناها وهو يقود في النهاية إلى عملية مستحيلة كما وكيفا .
فمن ناحية الكيف: ننتج الاستحالة من أن أي حضارة لا يمكن أن تبيع منتجاتها جملة واحدة أي أنها لا يمكن ان تبيعنا روحها وأفكارها وثرواتها الذاتية وأدواتها، وبدون ذلك تصبح الأشياء التي تبيعنا إياها هيكلا بدون روح وبغير هدف، فعندما نشتري منتجاتها فإنها تمنحنا هيكلها وجسدها لا روحها .
ومن ناحية الكم : لن تكون الاستحالة أقل ، فليس من الممكن أن نتخيل العدد الهائل من الأشياء التي نشتريها مما يؤدي إلى تكديس هذه الأشياء الحضارية والعالم الإسلامي يعمل منذ سنين على جمع أكوام من منتجات الحضارة، أكثر مما يهدف إلى بناء حضارة.
ولكي يحقق العالم الإسلامي حضارة فلا بد له من الصيغة التالية :
ناتج حضاري = إنسان + تراب + وقت. وهذه الصيغة تشير إلى أن مشكلة الحضارة تتحلل إلى ثلاث مشكلات أولية.
1- مشطلة الإنسان.
2- مشكلة التراب.3- مشكلة الوقت.
2- مشكلة التراب.3- مشكلة الوقت.
وهذه العناصر الثلاث لا بد لها من مركب أي العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاث بعضها ببعض وهذا المركب هو الفكرة الدينية التي رافقت دائما الحضارة خلال التاريخ.
4- الدورة الخالدة .
للتاريخ دورة وتسلسلا، فهو يسجل للأمة مآثر عظيمة ومفاخر كريمة، وثارها ويسلمها إلى نومها العميق ، فلا بد إذن من تعرف مكاننا من دورة التاريخ ، ولعل اكبر أخطاء القادة أنهم يسقطون من حسابهم هه الملاحظة الاجتماعية ولوضع الحلول والمناهج لا بد من مراعاة مكان الأمة ومركزها وأن تنسجم أفكاره وعواطفه واقواله وخطواته مع ما تقتضيه المرحلة التي فيها أمته اما ان يستورد حلولا فذلك تضييع للجهد ومضاعفة للداء.
والشعوب الإسلامية كلها في مستوى واحد وفي مشكلات متقاربة، وبذلك نضع مشكلتنا في وضعها المناسب لتتمكن بعد ذلك من الانطلاق نحو الحل ـ بناء الحضارة ـ مع الأخذ بعين الاعتبار السنن التاريخية الثابتة والمطردة والمشار إليها في قوله تعالى ” سنة الله التي قد خلت ولن تجد لسنة الله تبديلا “، وكذلك النص المبدئي في للتاريخ التكويني ـ biohistoir ـ في قوله تعالى :” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” وهذا يقتضي الاشارة إلى ما يلي :
مطابقة التاريخ للنص القرآني .
تسير الحضارة كما تسير الشمس، فكأنها تدور مشرقة في أفق هذا الشعب ثم متحولة إلى أفق شعب آخر غير عابئة بما يحاوله الباطل من إطفاء النور وأساس هذا السير هو المبدأ الذي يكون أساسا لما تنتجه حضارة ما ـ العلماء والعلوم الصناعية ، والفنون، كل هذه مظاهر لها فقط ـ .
وكل امة تريد بناء حضارة فرأس مالها يتمثل في العوامل الثلاث ، وبطبيعة الحال لا بد من المركب الذي يبعث هذه العوامل قوة فعالة في التاريخ ، والحضارة لا تنبعث إلا بالعقيدة الدينية فكأنما قدر للإنسان ألا تشرق عليه شمس الحضارة إلا من حيث يمتد نظره بعيدا عن حياته الأرضية ، فالحضارة لا تظهر في امة من الأمم إلا في صورة وحي يهبط من السماء، يكون للناس شرعة ومنهاجا.
ومعلوم أن جزيرة العرب لم يكن بها قبل نزول الوحي إلا شعب ـ الإنسان ـ يعيش في صحراء مجدبة ـ التراب ـ ويذهب وقته هباء ـ الزمن ـ فالعوامل الثلاثة إذن خامدة راكدة مكدسة لا تؤدي دورا في التاريخ لكن بنزول الوحي امتزجت هذه العناصر المكدسة لتنشأ من بينها حضارة جديدة قادت العالم إلى الرقي والتقدم والتمدن ولم يكن ذلك بفعل السياسيين ولا العلماء الفطاحل، بل أناس بسطاء بدو تحولوا عندما مستهم شرارة الروح إلى دعاة إسلاميين تتمثل فيهم قيم خلاصة الحضارة الجديدة حتى إذا ما بلغت درجة معينة انحدرت القيم الفكرية.
ومن هنا نستطيع أن نقرر أن المدنيات الإنسانية حلقات متصلة تتشابه أطوارها إذ تبدأ الحلقة الأولى بظهور فكرة دينية ثم يبدأ أفولها بتغلب جاذبية الأرض عليها بعد أن تفقد الروح ثم العقل فعندما تنكمش تأثيرات الروح والعقل تنطلق الغرائز الدنيا من عقالها لكي تعود بالإنسان إلى الحياة البدائية.
والتجارب التاريخية العامة ، تؤكد أطوار الحضارات هذه ولا تكاد حضارة ما تشد عن هذه القاعدة.
أما ما يتعلق بالظاهرة الشيوعية فيمكن أن نعتبﻻها أزمة للحضارة المسيحية .
للتوصل إلى التركيب الضروري حلا للمشكلة الإسلامية لا بد من توفر مؤثر الدين الذي يغير النفس فجوهر الدين مؤثر صالح لكل زمان ومكان ما لم يخالف الناس شروطه وقوانينه وهو ما ترمز إليه الآية الكريمة :” فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم”. فالدين حده هو الذي يمنح الإنسان هذه القوة فقد أمد بها أولئك الحفاة العراة من بدو الصحراء الذين اتبعوا هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
وهكذا لا يتاح لحضارة في بدئها رأسمال إلا ذلك الرجل البسيط الذي تحرك، والتراب الذي يمده بقوته الزهيد حتى يصل إلى هدفه، والوقت الضروري لوصوله وكل ما عدا ذلك من قصور شامخات، ومن جامعات وطائرات ليس إلا من المكتسبات لا من العناصر الأولية .
فكلما تحرك رجل الفطرة تحركت معه حضارة في التاريخ.
5-أثر الفكرة الدينية في تكوين الحضارة.
سبق بيان أن الفكرة الدينية تشكل المركب الذي يجمع العوامل الثلاث لبناء حضارة ، ولكن كيف يتم ذلك.
فكل حضارة تمر من أطوار محددة، النهضة الأوج، الأفول.
وإذا تناولنا الحضارة الإسلامية فلا بد أن يدخل في اطرادها بالضرورة عاملان وهما الفكرة الإسلامية التي هي أصل الاطراد والإنسان المسلم الذي هو السند المحسوس بهذه الفكرة وسندها. فالفكرة الدينية مثلا تخضع الغرائز لعملية شرطية أي تنظمها في علاقة وظيفية مع مقتضيات الفكرة الدينية فيتحرر الإنسان جزئيا من قانون الطبيعة المفطور في جسده ، وبذلك يكون أول أطوار الحضارة هو ذاك الذي تروض فيه الغرائز وتسلك في نظام خاص تكبح فيه الجماح وتتقيد عن الانطلاق.
والطور الثاني هو طور العقل وفيه تشرع الغرائز في التحرر من قيودها فتأخذ الروح في فقد نفوذها على الغرائز بالتدريج وهكذا تتراجع الفكرة الدينية منذ تدخل الحضارة منعطف العقل ويحدث هذا عندما تتحرر الغرائز من سيطرة الروح وتستعيد الطبيعة غلبتها على الإنسان فتعجز الفكرة الدينية عن القيام بمهمتها في مجتمع منحل ليدخل في ليل التاريخ ( الأفول).
ثم يدخل الإنسان في مرحلة ما بعد الحضارة والإنسان في هذه المرحلة يختلف تماما عن الإنسان السابق عن الحضارة، والإنسان في هذه المرحلة يختلف عن تماما عن الإنسان السابق عن الحضارة أو الإنسان الفطري فالأول لم يعد قابلا تمام لإنجاز عمل متحضر إلا إذا تغير هو نفسه عن جدوره الأساسية ، اما الثاني فهو يضل مستعدا للدخول في دورة الحضارة ( البدوي المعاصر للرسول ص).
6 – العنصر الاول:الإنسان
إن المشاكل التي تحيط بالإنسان تختلف باختلاف بيئته، فلا يمكن أن نوازن في وقتنا بين رجل أوربا المستعمر ورجل العالم الإسلامي القابل للإستعمار لأن كليهما في طور تاريخي خاص به.
ففي بلجيكا مثلا نجد الرجل لا يتمتع بتوازن اقتصادي في حياته فالأمر يتعلق بحاجات غير مشبعة و”حركة” مضطربة، اما في البلاد الإسلامية فأزمتها ليست في الحركة ، بل في الركون ، فهي مشكلة إنسان عزف عن الحركة ، وقعد عن السير في ركب التاريخ، وقد صار من الضروري أن نضع المشكلة أمامنا ونأخذ في اعتبارنا عنصرها الأساسي الرجل : ويلزمنا أن نفهم أولا كيف يؤثر الإنسان في تركيب التاريخ ، والملاحظ في القرن العشرين أن الفرد يؤثر في المجتمع بثلاث مؤثرات : اولا بفكره، وثانيا بعمله، وثالثا بماله، وحاصل البحث ان قضية الفرد منوطة بتوجيه ثلاث نواح:
1 – توجيه الثقافة.
2- توجيه العمل .3 – توجيه رأس المال.
2- توجيه العمل .3 – توجيه رأس المال.
والتوجيه بصفة عامة هو وقوة في الأساس وتوافق في السير ووحدة في الهدف وهو تجنب الإسراف في الجهد والوقت.
6- توجيه الثقافة.
في الغرب يعرفون الثقافة على أنها تراث الإنسانيات الإغريقية واللاتينية، أي أنها ذات علاقة وظيفية بالإنسان فهي على رأيهم “(فلسفة الإنسان) .
وفي البلاد الاشتراكية يعرفونها على انها ذات علاقة وظيفية بالجماعة، فالثقافة إذن عندهم هي فلسفة المجتمع.
ويعرف مالك بن نبي الثقافة بأنها مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال اولي في وسطه ، والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته . فهذا التعريف إذن يجمع بين فلسفة الإنسان وفلسفة الجماعة، ولا سبيل لعودة الثقافة لوظيفتها الحضارية إلا بعد تنظيف الموضوع من الحشو أو الانحراف.
الحرفية الثقافية .
توجد ظاهرة أخرى هي التعالم أو الحرفية في التعلم، وهذا مرض يجعل المريض به، لم يقتن العلم ليصيره ضميرا فعالا بل ليجعله آلة للعيش وسلما يصعد به إلى منصة البرلمان، وهذا ما يسعى إليه رجل القلة ولا بد من إزالة هذا المرض حتى يصفو الجو للطالب العاقل الجاد.
معنى الثقافة في التاريخ:
لا يمكن أن نتصور تاريخا بلا ثقافة، والثقافة لا يسوغ أن تكون علما يتبعه الإنسان بل هي محيط يحيط به، أو إطار يتحرك داخله، يغذي الحضارة في أحشائه. فالثقافة هي كل ما يعطي الحضارة سمتها الخاصة ويحدد قطبيها من عقلانية ابن خلدون وروحانية الغزالي وهذا معناها في التاريخ.
لا يمكن أن نتصور تاريخا بلا ثقافة، والثقافة لا يسوغ أن تكون علما يتبعه الإنسان بل هي محيط يحيط به، أو إطار يتحرك داخله، يغذي الحضارة في أحشائه. فالثقافة هي كل ما يعطي الحضارة سمتها الخاصة ويحدد قطبيها من عقلانية ابن خلدون وروحانية الغزالي وهذا معناها في التاريخ.
معنى الثقافة في التربية:
ويتضح هذا المعنى من خلال قول الكاتب ” إذا كانت الثقافة هي الجسر الذي يعبره المجتمع إلى الرقي والتمدن ، فغنها أيضا ذلك الحاجز الذي يحفظ بعض أفراده من السقوط من فوق الجسر إلى الهاوية.
فالثقافة تتدخل في شؤون الفرد وفي بناء المجتمع وتعالج مشكلة القيادة كما تعالج مشكلة الجماهير وفي هذا المركب الاجتماعي للثقافة ينحصر برنامجها التربوي وه ويتألف من أربعة عناصر وهي :
1-عنصر الاخلاق لتكوين الصلات الاجتماعية.
2-عنصر الجمال لتكوين الذوق العام.3-منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام.4-الفن التطبيقي أو الصناعة بتعبير ابن خلدون.
2-عنصر الجمال لتكوين الذوق العام.3-منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام.4-الفن التطبيقي أو الصناعة بتعبير ابن خلدون.
1-التوجيه الأخلاقي:
القصد من هذا الجانب هو تحديد قوة التماسك الضرورية للأفراد في مجتمع يريد تكوين وحدة تاريخية، وهذه القوة مرتبطة بغريزة الحياة في جماعة، وهي الغريزة التي تستخدمها القبائل الموغلة في البداوة لكي تتجمع، والمجتمع الذي يتجمع ليكون حضارة، فإنه يستخدم الغريزة نفسها لكنه يهذبها ويوظفها.
وروح الإسلام هي التي خلقت من عناصر متفرقة كالأنصار والمهاجرين أو مجتمع إسلامي ، فهذه القوة إذن موجودة في الإسلام، والمقصود هنا الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا المنبعث في صورة إسلام اجتماعي.
2-التوجيه الجمالي:
إن الأفكار بوصفها روح الأعمال ـ التي تعبر عنها أو تسير بوحيها ـ إنما تتولد من الصور المحسة الموجودة في الإطار الاجتماعي والتي تنعكس في نفس من يعيش فيه وهنا تصبح صورا معنوية يصدر عنها تفكيره ، فالجمال الموجود في هذا الإطار والذي يشتمل على ألوان وأصوات وروائح وحركات وأشكال يوحي للإنسان بأفكاره ويطبعها بطابعه الخاص من الذوق الجميل أو السماجة القبيحة.
فللجمال إذن أهمية اجتماعية هامة، إذا ما عددناه المنبع الذي تنبع منه الأفكار، وتصدر عنه بواسطة تلك الأفكار أعمال الفرد في المجتمع.
3-المنطق العملي.
نعني بالمنطق العملي كيفية ارتباط العمل بوسائله ومعانيه ، أي استخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل معينة.
فالعقل المجرد متوفر في بلادنا لكن العقل التطبيقي الذي يتكون في جوهره من الإرادة والانتباه فشيء يكاد يكون معدوما فالذي ينقص المسلم ليس هو منطق الفكرة ولكن منطق العمل والحركة فهو لا بفكر ليعمل بل يقول كلاما مجردا.
4-الصناعة :
ويقصد به الفنون والمهن والقدرات وتطبيقات العلوم، فالصناعة للفرد وسيلة لكسب العيش وللمجتمع وسيلة للمحافظة على كيانه.
ولا بد من إنشاء مجلس التوجيه الفني ليحل نظريا وعمليا المشكلة الخطيرة للتربية المهنية تبعا لحاجات البلاد.
المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي.
ما من حوار شجر بين رجل وامرأة، إلا وتحاول المرأة أن تظهر من خلال هذا الحوار بمظهر الجمال ، بينما الرجل يحاول أن يظهر بمظهر القوة، والقوة هنا ضرب من الجمال، فكل علاقة تنشأ بين الرجل والمرأة تقع تحت عنونا الجمال بما فيه من بساطة أو تعقد حسب تطور ذلك المجتمع والفنون أيضا ، إنما يعبر عن تلك العلاقة خلال القرون وعبر التاريخ.
وما نشأت علاقة بين رجل وامرأة إلا وتخضع لقانون أخلاقي منذ قابيل وهابيل، ومن هنا فإن المجتمع ينتج بدورا أخلاقية وجمالية نجدها في ثقافته وكلما تطورت هذه الأخيرة فإن البدور الأخلاقية والجمالية تكون أقرب إلى الكمال والصلة بين المبدأ الأخلاقي ودوق الجمال تكون في الواقع علاقة عضوية ذات أهمية اجتماعية كبيرة إذ أنها تحدد طبائع الثقافة واتجاه الحضارة.
مبدأ أخلاقي + ذوق جمالي = اتجاه حضاري.
وبناء على هذا فإن هناك نوعين من المجتمع…، نموذج يقوم فيه النشاط أساسا على الدوافع الأخلاقية، ومثال النموذج الأول الحضارة الغربية، والنموذج الثاني الحضارة الإسلامية (التصوير مثلا)، فكل ثقافة سيطرت هي في أساسها تنمو فيها القيم الجمالية على القيم الأخلاقية، وكل حضارة تغلب فيها المبدأ الأخلاقي يكون مآلها التحجر.
وخلاصة الأمر بين هذين العنصرين وأي خلل يحدث في هذه العلاقة ينتهي في آخر المطاف إلى خلل في توازن الحضارة وكيانها.
7- توجيه العمل.
إن العمل وحده هو الذي يخط مصير الأشياء في الإطار الاجتماعي وتتولد من العناصر الثلاثة والذي يهمنا هنا هو العمل من الناحية التربوية ، وذلك لأننا في مجتمع ناشئ ، ولن العامل لا علاقة له بصاحب العمل لكن بجماعة أو عشيرة يشاطرها بؤسها أو نعماها.
وتوجبه العمل في هذه المرحلة يعني سير الجهود الجماعية في اتجاه واحد ليضع كل فرد من الجماعة كل يوم لبنة في البناء ثم بعد ذلك يأتي المعنى الآخر ( كسب العيش لكل فرد) بمعناه الكسبي.
توجيه رأس المال.
إن البلاد الإسلامية لا تواجه مشكلة الرأسمالية كما كان الشأن في أوربا ، وعليه فإن القضية في البلاد الإسلامية تختلف تمام الاختلاف عن صورتها في أوربا، وبالتالي تحديد رأس المال باعتباره آلة اجتماعية تنهض بالتقدم المادي لا آلة سياسة في فئة رأسمالية ( كما يرى كارل ماركس).
فرأس المال هو المال المتحرك الذي يتسع مجاله الاجتماعي بمقتضى حركته ونموه في محيط أكبر من محيط الفرد وأقصى من المقدار الذي تحدده حاجاته الخاصة، فالدرهم الذي يتحرك وينتقل ويدخل عبر الحدود يسمى رأسمال والمليار من الدراهم المستقر هو ثروة ذات محيط ضيق.
وعليه فإن توجيه رأس المال في بلادنا لا يزال في طور التكوين لا يتصل بالكم بل بالكيف ، فالغرض أن تصبح كل قطعة مالية متحركة متنقلة تخلق معها العمل والنشاط ، اما الكم فإن له الدور الثاني دور التوسع والشمول.
فالقضية إذن قضية منهاج يحدد لنا تخطيطا مناسبا نبني عليه حياتنا الاقتصادية مستفيدين من التجربة الأوربية حتى لا نقع في أخطائها ثانية.
مشكلة المرأة
ليست مشكلة المرأة سيئا نبحثه منفردا عن مشكلة الرجل فهما يشكلان في حقيقتها مشكلة واحدة هي مشكلة الفرد والمجتمع.
وما الأقاويل التي تقولها على حقوق المرأة أدعياء تحريرها أو الذين يطالبون بإبعادها من المجتمع إلا تعبيرا عن نزعات جنسية لاشعورية، وإذا كان الأمر بالنسبة للفريق الأول واضحا، إذ يطالبون بخروج المرأة في زينة فاتنة لأن في ذلك ما يوقظ غرائزهم أو يرضي شهواتهم، وقد يبدو هذا التعليل غريبا بالنسبة للفريق الثاني لكن هذه الغرابة تزول إذا علمنا أن ما يتمسكون به من الحفاظ على الأخلاق ليس منطقيا لأنه يخفى وراءه مغزى التمسك بالأنثى ، فالغريزة تكلمت بلسان آخر .
عكس من يريد أن تخرج في هيئة يقبلها الخلق فإنه من العسير أن نرى جور الغريزة في هذا التفكير .
والفريقين معا لا أمل في ان نجد في آرائهما حلا لمشكلة المرأة فحل هذه المشكلة يجب أن يكون الاعتبار الأول فيه مصلحة المجتمع فالمرأة والرجل يكونان الفرد في المجتمع فهي شق الفرد كما أن الرجل شقه الآخر فهما قطبا الإنسانية.
ولقد بدأت المرأة المسلمة في زمن قريب تلبس (الملاية) في إفراط وتسلك في سيرها الاجتماعي الطريق الذي رسمته أوربا لنسائها متخيلة أن في ذلك حلا لمشكلتها الاجتماعية ، في حين أن كلما حدث فقط هو انتقال المرأة من حالة إلى حالة مما عقد المشكلة بعد أن كان كانت بسيطة ، فليست حالة المرأة الأوربية بالتي تحسد عليها لأن وضعها الجديد أثار أخطارا ومشكلات جديدة.
لأن المجتمع الذي حررها قذف بها إلى أثون المصنع وإلى المكتب قال لها عليك أن تأكلي من عرق جبينك في بيئة ممتلئة بالأخطار على أخلاقها وتركها في حرية مشؤومة ليس لها ولا للمجتمع فيها نفع فقدت ـ وهي وخزن العواطف الإنسانية ـ الشعور بالعاطفة نحو الأسرة وأصبحت بما ألقي عليها من متاعب العمل صورة مشوهة للرجل دون أن تبقى امرأة.
وحل مشكلة المرأة في المجتمع الإسلامي لا تكفي فيه النظرة الخاصة ، لأن الحل يتطلب الوصول إلى وسائل عملية تنفذ ، فالقضية موقوفة على من بيده وسائل التنفيذ وتتطلب قبل ذلك إجماعا أو حلا جماعيا.
فحل مشكلة المرأة يجب ان تقرر في مؤتمر عام تصبح مقرراته دستورا لتطور المرأة في العالم الإسلامي.
مشكلة الزي.
إن التوازن الاخلاقي في مجتمع ما منوط بمجموعة من العوالم المادية والأدبية، والملبس هو احد تلك العوامل فالعباءة مثلا من الاشياء التي ورثتها لنا بيئة تميل بروحها إلى التنعم والهدوء لكن هل نتصورها على ظهر عامل الآلة أو على ظهر عامل المنجم ؟ فالعلم الإسلامي مدعو إلى أن يساير لباسه ذلك النشاط الجديد فهذا شأن الأمم جميعها ( اليابانيين مثلا ).
ومن المعلوم أن الملبس يسير مع أهله في تطور التاريخ والدول المتقدمة تغير أزياءها الرسمسة حسب تغيرات التاريخ، فإذا ما شوهت هزيمة كرامة زي من الأزياء العسكرية نرى الدولة المنهزمة كثيرا ما تقتبس أزياء الدول المنتصرة، وقد يحدث هذا التشويه بسبب نكبات التاريخ في الملابس المدنية أيضا فهل يا ترى نتمسك بالطربوش في صفوف الاستعمار.
الفنون الجميلة .
تبرز أهمية الفن في أمرين، فهو إما داع إلى الفضيلة وإما داع إلى الرذيلة فالرقص مثلا أصبح عندنا صورة جنسية مشوهة للذوق لأنها اتخذت وسيلتها إلا النفوس الغريزة الجنسية فقط وهذا شأن الفن برمته.
فلا بد أن نقرن بين الموهبة والقدرة لنحصل على شيء اسمه الفن.
العنصر الثاني : التراب.
التراب أحد أهم العناصر الثلاثة التي تكون الحضارة، وحينما نتكلم عن التراب نقصد قيمته الاجتماعية التي تكون مستمدة من قيمة مالكيه ، والتراب في أرض الإسلام عموما على شيء من الإنحطاط بسبب تأخر القوم الذين يعيشون عليه.
ولن يلعب هذا العنصر دوره الحقيقي في بناء الحضارة إلا إذا اعتنى به الشعب وواجه الاخطار التي تهدده ليكون مؤهلا لأن يبني عليه حضارته.
العنصر الثالث : الوقت.
الزمن نهر قديم يعبر العالم منذ الأزل.
إن الزمن يتدفق على السواء في أرض كل شعب ومجال كل فرد يفيض من الساعات اليومية التي لا تغيض وقد تكون ثروة في مجال وفي مجال آخر يتحول عدما. ففي ساعات الخطر في التاريخ تمتزج قيمة الزمن بغريزة المحافظة على البقاء وحينئذ لا يقوم الوقت بمال فيصبح جوهر الحياة الذي لا يقدر، إنه العملة الوحيدة التي لا تبطل ولا تسترد إذا ضاعت فلا تستطيع أية قوة في العالم أن تحطم دقيقة، ولا أن تستعيدها إذا مضت.
وفي العالم الإسلامي فالحياة والتاريخ الخاضعان للتوقيت كان وما يزال يفوتنا قطارهما، فنحن في حاجة على توقيت دقيق وخطوات واسعة لكي نعوض تأخرنا والتربية هي السبيل الوحيد التي تعلم المسلمين قيمة هذا الأمر، فنعلم الطفل والرجل والمرأة (مثلا) تخصيص نصف ساعة يوميا لأداء واجب معين بفعالية وانتظام وبذلك تكون ليدنا في نهاية العام حصيلة هائلة من ساعات العمل لمصلحة الحياة الإسلامية في جميع أشكالها، فترتفع كمية حصادنا العقلي والبدوي والروحي وهذه هي الحضارة.
الاستعمار والشعوب المستعمرة ـ المعامل الاستعماري ـ
للفرد بصفته عاملا أوليا للحضارة قيمتان: خامة وصناعية.
فالقيمة الأولى موجودة في كل فرد من الأفراد في تكوينه البيولوجي وتتمثل في استعداده الفطري لاستعمال عبقريته وترابه ووقته.
أما القيمة الثانية وهي القيمة الصناعية فإنه يكتسبها من وسطه الاجتماعي وتتمثل في الوسائل والميسرات التي يجدها الفرد في إطاره الاجتماعي لترقية شخصيته وتنمية مواهبه وتهذيبها.
هنا تبدأ قضية الاستعمار لأنه يفرض على حياة الفرد عاملا سلبيا نسميه ـ المعامل الاستعماري ـ الذي يهدف بالأساس إلى حرمان المستعمرين من القيمة الصناعية، وذلك بحرمانهم من وسائل اكتسابها ، فتعمل قوى الاستعمار على التنقيص من قيمتهم وتحطيم قواهم الكامنة فيهم ، وبذلك يعجز المجتمع عن مد أفراده بما يقوي أجسادهم وينمي فكرهم ذلك هو المعامل الاستعماري.
ولقد تكلم بعضهم في شأن هذا المعامل بلسان السياسة فطالبوا بالحقوق، وأغفلوا الواجبات، وتكلم عنه آخرون بلسان الواجبات كغاندي ففاز بحقوقه كاملة وكأنها نظرة قرآنية غير منتظرة عند ذلك المصلح البرهمي.
ولدراسة هذه الظاهرة الاستعمارية من الناحية العلمية، نحتاج أن نغوص في أعماق التاريخ فنجد أن الاستعمار يرجع إلى الحضارة الرومانية بطابعها القيصري، وبذلك فالاستعمار الأوربي يعد نكسة في التاريخ الإنساني ورجوع إلى الوراء بنحو ألف عام قبل الحضارة الإسلامية، والمعمرون أنفسهم يعترفون بذلك من حيث لا يشعرون إذ يردون إلى عبقرية الرومان.
غير أن الاستعمار ليس شرا كله بل إن خيرا كثيرا حققه الله على يديه من حيث لا يدري لأنه ساهم في إيقاض العالم الإسلامي من نومه. وخلع علينا بابنا وزعزع دارنا، وخلع منا سيادتنا وحريتنا وكرامتنا وجواهر عروشنا وأرائكها الناعمة التي نود أن لو بقينا عليها نائمين، والتاريخ قد عودنا أن كل شعب يستسلم للنوم فإن الله يبعث عليه سوطا يوقظه.
والذي يلاحظ في العبقرية الرومانية إنما هو الروح القيصرية على حين نلاحظ في الإسلام روح الإنسانية وللإنسانية أن تختار بين هاتين القيادتين في مستقبلها.
وهذا لا يجب أن ينسينا انه يجب على كل فرد أن يشعر بما تنطوي عليه شخصيته من قيمة جوهرية هي تراثه الخاص الذي لا سلطان لأحد عليه وهذه القيمة تتمثل في ثلاث عناصر : الإنسان والتراب والزمن وهي الزاد وقت العسرة في يد شعب يشعر بها حينما ينهض من النوم.
معامل القابلية للإستعمار .
عرفنا سابقا كيف يؤثر المعامل الاستعماري وكيف يمنع إتاحة الحياة المطلقة لمواهب الإنسان أن تأخذ مجراها إلى النبوغ والعبقرية.
وسنتعرض الآن لمعامل آخر ينبعث من باطن الفرد الذي يقبل على نفسه تلك الصبغة والسير في تلك الحدود الضيقة التي رسمها الاستعمار وحدد له فيها حركاته وأفكاره وحياته وبذلك تكون العلة مزدوجة فكلما شعرنا بداء المعامل الاستعماري الذي يعترينا من الخارج فإننا في الوقت نفسه معاملا باطنيا يستجيب للمعامل الخارجي ويحط من كرامتنا بأيدينا .
فالقضية إذا عندنا منوطة بتخليص المسلمين مما يستغله الاستعمار في نفوسهم من استعداد لخدمته وما دام له سلطة خفية على توجيه الطاقة الاجتماعية عندهم فلا رجاء في استقلال ولا أمل في حرية مهما كانت الأوضاع السياسية،وقد قال أحد المصلحين “أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم” .
مشكلة التكيف
غالبا ما يكون للفعل الاستعماري رد من الشعوب المستعمرة وهذا الرد يمكن أن يعرف بأنه نزوع الفرد إلى التكيف مع الوسط الذي يعيش فيه ـ ومن قوانين التكيف غريزة التشبه والاقتداء ـ ويظهر ذلك في جملة من المظاهر التي تظهر في سلوكات تشبه بها شباب المسلمين بالمستعمرين، وذلك لأن المجتمع قد فقد توازنه ويبحث عن توازن جديد.
0 تعليق
اتبع التعليمات لاضافة تعليق