هل القرآن الكريم كتاب فلسفةٍ؟ وهل هو كتاب فلسفيٌّ؟ ثم، هل هو كتابٌ يمكن تصنيفه تحت خانة أي علم من العلوم؟
هو سؤال طرحه الدكتور عبد الله دراز، منذ عقود، في كتابه "دستور الأخلاق في القرآن"، كما طرحه علي عزّت بيجوفيتش في كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب"، لكن بصيغة مختلفة؛ ثم طُرح في "مفهوم الزمن في القرآن الكريم"، حسبما يقتضيه السياق.
من المعلوم معرفيًّا أنَّ تصنيف العلوم إجراءٌ وظيفيٌّ معرفيٌّ مسايرٌ ومسايقٌ للضعف البشريِّ، ذلك أنَّ عقل الإنسان لا يملك استيعاب الوجود برمَّته "الله - الكون - الإنسان"، ولذا اعتمد الإنسان التخصُّصَ والتصنيفَ، حتى يتمكن من الاهتمام بجانب واحد فقط من الوجود، وحتى يتبحَّر فيه، ويصل إلى نتائج علمية مرضية نسبيًّا: فعالم الزراعة ينكبُّ على النبات، وعالم النفس يسهر على فهم النفس، وعالم العقيدة يركِّز على الإيمان والتوحيد... وداخل كلِّ مجال تتفرَّغ تخصُّصات ذرية، حسب قدرة الإدراك والفهم والاستيعاب، وحسب تطور المناهج والمفاهيم عبر تاريخ العلوم.
أمَّا كلام الله تعالى، فهو صادرٌ من مشكاة لا تتَّصف بالعجز والضعف، إذ لا حاجة لها إلى تجزيء الظاهرة لتشرحَها، بل ولا إلى لغة تفسِّر بها المعاني، فلا فرق هنالك -في الملأ الأعلى- بين الوجود والتعبير عنه، ولا بين الموجودات والعلوم التي تدرسها؛ فالعلم والمعلوم، والقدرة والإرادة، والمكان والزمان، وما كان وما هو كائن وما ينبغي أن يكون... كلُّ أولئك خاضع لقدرة مطلقة متعالية متجاوزة، إنها نقطة "الحقِّ"، كما سماها سبحانه وتعالى في قوله: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)(الإسراء:105).
ولقد جاء القرآن الكريم على هذا النسق الحقِّ: رباني الصبغة والغاية، كونيَّ المنهج والموضوع، شمولي المبدأ والمنتهى...
والله أعلم...


إرسال تعليق